سقوط الأسد- هل يمهد الطريق لسوريا موحدة أم لدويلات متناحرة؟

المؤلف: طلال صالح بنان10.27.2025
سقوط الأسد- هل يمهد الطريق لسوريا موحدة أم لدويلات متناحرة؟

في غضون فترة وجيزة لم تتجاوز أحد عشر يوماً، انهار نظام حكم عتيد في المنطقة، بشكل فاجأ الجميع، ولم يكن أحد يتوقعه على الإطلاق. في خضم مرحلة بدا فيها وكأن نظام الأسد قد اندمج مجدداً في المحيط الإقليمي والدولي، وهو في ذروة قوته، ويحظى بقبول بعد سنوات طويلة من المقاطعة والعزلة السياسية التي امتدت لأكثر من عقد. بصورة "مأساوية" وغير متوقعة، هوى نظام الأسد. حتى الثوار أنفسهم لم يتصوروا هذا الانتصار العسكري الساحق الذي حققوه في الميدان، بينما كانت الأنظار معلقة على انفراجة في الجبهة السياسية، وتحريك المياه الآسنة، أملاً في التوصل إلى تسوية سياسية بين النظام والمعارضة.

ربما كانت حسابات المعارضة، التي انطلقت من منطقة محدودة في شمال غرب سوريا (إدلب)، دقيقة بما يكفي لتحقيق مرادها السياسي من هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر، على أقل تقدير، لشد الانتباه مجدداً إلى الأزمة السورية، مع الأخذ في الاعتبار التحولات العميقة التي شهدتها المنطقة، لا سيما تلك المتعلقة بحزب الله وروسيا. في هذا السياق، كانت قراءة المعارضة للواقع أكثر دقة من الإنجاز الميداني الذي حققوه باللجوء إلى العنف لتسوية خلافاتهم مع النظام. كان حزب الله قد خرج لتوه من هزيمة قاسية في مواجهة إسرائيل، وقد أدت هذه الهزيمة إلى فقدان أهم أدوات التوسع شرقاً في منطقة الهلال الخصيب وشرق المتوسط. إضافة إلى ذلك، فإن المعركة في المنطقة لن يكتب لها النجاح بعد فقدان الذراع القوية المتمثلة في (حزب الله)، الذي استثمر فيه الكثير لإنجاح المشروع التوسعي في المنطقة.

علاوة: على ذلك، فإن حليف نظام الأسد الدولي (روسيا)، قد تغيرت أولوياته السياسية والأمنية بشكل كبير، نتيجة لانخراطه في الحرب مع أوكرانيا التي تقع على حدودها الجنوبية الغربية. لم تعد روسيا تتمتع برفاهية الإطلالة على مياه البحر الأبيض المتوسط، وهي تواجه تحديات جمة على شواطئ البحر الأسود، داخل حدودها الإقليمية. ومع فقدان الدعم السياسي والعسكري الروسي، وتراجع مساندة (حزب الله)، انكشف الضعف الأمني لنظام الأسد، مما أدى إلى انهياره في غضون أيام معدودة.

ولكن هل يعني انتصار المعارضة على نظام الأسد، وإجباره على الفرار إلى روسيا، تحقيق نصر مؤزر يمكنها من حكم سوريا موحدة ذات سيادة كاملة على أراضيها؟ سوريا، كما هو معلوم، تتسم بتعددية طائفية وعرقية متنافرة، والبعض فيها أقرب، بل يتوق إلى الانفصال عن الدولة السورية، كما هو الحال مع الأكراد في شمال شرق سوريا، الذين تدعمهم الولايات المتحدة والغرب، للحفاظ على وجود عسكري في المنطقة، حيث النفط السوري، وقيادة المنطقة المركزية الأمريكية، تحت ذريعة محاربة الإرهاب.

ثم تبرز مشكلة ملايين السوريين الذين نزحوا من سوريا، عقب أحداث ثورة ٢٠١١، ويتوق أغلبهم للعودة إلى ديارهم. هذا الحماس للعودة لا يقتصر على هؤلاء النازحين فحسب، بل يشمل أيضاً الدول المضيفة لهم، وعلى رأسها تركيا ودول الاتحاد الأوروبي. وتأتي بعد ذلك معضلة الاعتراف الدولي بالحكام الجدد لسوريا، الذين تثير خلفياتهم الإسلامية وعلاقاتهم السابقة مع داعش، الذي يواجه تحالفاً دولياً بقيادة الولايات المتحدة لمحاربته، الكثير من المخاوف والشكوك.

كما يجب ألا نغفل الجارة الشمالية لسوريا، تركيا، حيث تتفاقم مشكلة ذات شقين. فتركيا، كما تصرح دائماً، ليس لديها أطماع في الأراضي السورية، إلا أنها تتطلع إلى إقامة منطقة عازلة بين سوريا وتركيا، بعمق يصل إلى ٣٠ كيلومتراً داخل الأراضي السورية المحاذية للحدود مع تركيا، بهدف ردع الانفصاليين الأكراد.

وقد تكون إسرائيل هي أخطر معضلة أمنية تواجه القادة الجدد في دمشق. فاستغلالاً للفراغ الأمني، وسعت إسرائيل وجودها العسكري على الحدود مع سوريا، لتضم ما يقرب من ربع مساحة الجولان المحتل، مع شن حملة عسكرية ضد سوريا، تستهدف عتاد الجيش السوري في جميع أنحاء البلاد، بذريعة مخاوفها الأمنية من التحول الأخير في قيادة الحكم في دمشق.

كل معضلة من هذه الأزمات كفيلة بأن تمزق سوريا إلى دويلات ومقاطعات متناثرة يصعب احتواؤها في دولة مركزية موحدة، كما هو الحال في ليبيا والصومال.

إن الإنجاز الحقيقي للمعارضة السورية المسلحة لا يكمن فقط في دحر حزب البعث وإسقاط نظام الأسد والوصول إلى دمشق، بل في الحفاظ على الدولة السورية بحدودها الدولية المعترف بها، تحت ظل حكومة وطنية تمثل تمثيلاً حقيقياً إرادة الشعب السوري، وتساهم بإرادة سياسية مدفوعة بنزعة وطنية صادقة وأمينة، من أجل العمل على تحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة بأسرها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة